تدخين الأطباء... جريمة كبرى !
التدخين هو ذلك الشبح القاتل ، والذي يخطف كل يوم أرواح الآلاف ، ويرسم المنظر العابس على وجوه الملايين من البشر .
والأسلوب الذي ينتهجه في القتل هو الأسلوب الواضح البطيء. الواضح : لأن كل واحد منا يعرف مخاطره وان الموت هو غايته. والبطيء: لأن آثاره غالبا ما تظهر بعد فترة طويلة وهي ربما تكون فتره طبيعية لا يبالي فيها المتعاطي للتدخين بمخاطره . أو ربما تكون فتره عصيبة تتميز بأعراض مرضيه عديدة ومعاناة طويلة الأمد تتخللها أوقات طبيعية لكنها قليلة ولربما اعتاد عليها وتحمل ما فيها من آلام وخسائر.
المضحك في هذا المجال ومن خلال خبرتي كطبيب هو أن هذا المتعاطي للتدخين وحينما يسأل عن قناعته به ، يكون الجواب غالبا ( أني اقتل نفسي ) ( أنني مبتلى ) (( أنا ضعيف )) (( أنا لا اشرب سوى سما قاتلا )) .
والأغرب من ذلك ما يحدث مع الأطباء المتعاطين للتدخين ربما يكون جوابهم مماثل لجواب هؤلاء من غير الأطباء أو لربما من خلال السفسطة الطبية يحاولون أقناع البعض بعدم الخوض في مثل هكذا موضوع لان ذلك متأصل في الطبيعة الإنسانية أي إن هذا مجبرون عليه ولا دخل لرغباتنا أو اراداتنا فيه !.وهنا تكمن الطامة الكبرى.
احد الأطباء الكبار كان يفحص مريضا في ردهة الإنعاش الباطني ، والذي كان مصابا باحتشاء العضلة القلبية ، وهو يرشف سيجارة طال رمادها، وحينما انحنى كي يفحص قلب المريض بالسماعة الطبية ، انكسرت الرمادة ، ووقعت في عين المريض (وهذا أمام نظري شخصيا).
خجلت للواقعة (وأسميها واقعة لضخامة الموقف وحراجتة) وانصرفت خارج الردهة مستاءا . هذا المنظر الحقيقي لو حدث بين شخصين عاديين في الخارج، لا بد وان تترتب عليه أثار ربما قانونية أو على الأقل أخلاقية ولربما حدث ما لا يحمد عقباه.
وما فعل مريضنا عندها ؟
سكت المريض احتراما ، وصبر على عينه مثلما هو صابر على مرض قلبه ، دون قناعة منه بالتأكيد .
مريض آخر زارني في عيادتي لمرض في حنجرته، ومن خلال حديثه قال : لقد ذهبت إلى الطبيب(....) المختص في أمراض الباطنية وبعد دخولي عليه سلمت ولم اجلس لأني وجدته يمسك بسيكارة ويرشف الدخان وكأنه لم يأكل أو يشرب منذ سنين، حتى تعثر رد سلامه بنفثات الدخان الكثيف . قال لي المريض : هل تعلم يا دكتور لم ذهبت إليه ؟ قلت : لا . قال : كي اطمئن على صحة قلبي ورئتي لأني أدخن منذ عشرين عاما أو أكثر . لكني عندما رأيته بهذا المنظر المرعب! تراجعت وقلت له : عذرا لقد أخطأت عنوان الطبيب . وخرجت مسرعا إليك !
وهذا الأمر انجر على أسلوب التعامل مع المرضى . فالمرضى المدخنون يستهويهم مراجعة الأطباء المدخنين ، لأنهم غالبا ما يتجاهلون النصيحة الخاصة بضرورة ترك التدخين وبالخصوص المرضى الذين يعانون من أزمات تنفسية أو قلبية . ويحتج هؤلاء المرضى حينما يراجعون طبيبا ينصحهم بضرورة الابتعاد عن التدخين لأن الطبيب الفلاني والمشهور لم تخرج منه هكذا نصيحة وهو الأستاذ الذي لا تجاريه الريح . نعم هناك من يدخن وينصح الآخرين بعدم التورط بهذا الداء الوبيل . وهناك من الأطباء المدخنين من ينصح مرضاه بعدم الاقتراب منه . لكن الفارق واضح بين نصيحة المريض وبين التي تصدر من الطبيب المدخن . وأنا في نظري لا يوجد طبيب في البين إنما مريضين اثنين !
يصف الطب الإدمان بأنه من الأعراض المستعصية والتي لا يمكن التخلص منه بسهولة ، لكن التجربة العملية أثبتت بأن القليل من الصبر والإرادة كفيلة بالتخلص ، والى الأبد ، من هذه الظاهرة السيئة والمشكلة العظمى في العالم .
ويا إخواني الأطباء والمرضى المبتلون بهذا الداء ، أو الذين يهمون بالاقتراب منه حافظوا على تيجانكم ناصعة كالسيجارة قبل أن تحترق !! لأن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء ....
الدكتور
علي الطائي
0 التعليقات:
إرسال تعليق